الغضب هو غليان دم القلب طلباً لدفع الأذى عند خشية وقوعه، أو طلباً للانتقام ممن حصل منه الأذى بعد وقوعه.
إنه قوة أودعها الله تعالى في الإنسان تجعله يثور من باطنه فتحمله على الدفاع عما يحبه من الأغراض، وتدفعه إلى البطش بكل ما يؤذيه، فإذا اعتدى عليه معتد، أو حيل بينه وبين غرض من أغراضه ثارت قوته فغلى دمه، وانتفخت أوداجه.
فهو مدخل من مداخل الشيطان إلى قلب الإنسان، وهو غول العقل، وإذا ضعف جند العقل هجم جند الشيطان، وإذا هجم الشيطان عليه وهو كذلك لعب به كما يلعب الصبي بالكرة.

مفهوم خاطئ


ولذلك نرى النبي صلى الله عليه وسلم يطرح على أصحابه سؤالاً وهو يعرف الجواب عنه، لكنه أراد أن يُغير المفاهيم، ويصحح الأمور، فيقول لهم كما روى ابن مسعود رضي الله عنه : “ما تعدون الصرعة فيكم؟، قالوا: الذي لا يصرعه الرجال، قال النبي صلى الله عليه وسلم: “ليس ذلك، ولكن الذي يملك نفسه عند الغضب”، (رواه مسلم).
ولقد كان هذا المفهوم الخاطئ سائداً بين العرب في جاهليتهم، وبه كان المعيار الذي يخفض ويرفع، وتسمو به المنزلة، ويحتل به الإنسان من القلوب كل تقدير واحترام، ومن هنا ذم الله تعالى ما تظاهروا به من الحميَّة الصادرة عن الغضب الباطل، ومدح المؤمنين بإنزال السكينة عليهم، فقال سبحانه: “إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية فأنزل الله سكينته على رسوله، وعلى المؤمنين وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها وأهلها”، لذلك غيَّر الرسول صلى الله عليه وسلم المفاهيم، وصححها، ووضح لهم الحقيقة التي تتبين بها أقدار الرجال، وهي السكينة والحلم والوقار.
إنها وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي الدرداء رضي الله عنه ولنا من بعده، قال: قلت:
يا رسول الله، دلني على عمل يدخلني الجنة، ولا تكثر عليَّ، قال: “لا تغضب” (رواه البخاري).
لقد كان بحق الطبيب الذي يحسن تشخيص الداء ووصف الدواء، فهذا يأتي إليه ويطلب منه الوصية فيقول له:
“اتق الله”، وآخر يطلب الوصية فيقول له: “لا تغضب” وكلها وصايا حكيمة تخرج من قلب نبعت فيه الحكمة، ولسان فاض بالفصاحة والبيان.
بل اسمعوا إليه صلى الله عليه وسلم، وهو يبين أن الغضب من الشيطان، وذلك لما غضبت عائشة رضي الله عنها فقال لها: “مالك جاءك شيطانك” فقالت: يا رسول الله، ومالك شيطان؟ قال: “بلى ولكني دعوت الله فأعانني عليه فأسلم فلا يأمرني إلا بخير” (رواه مسلم).

الطبيعة الإنسانية

والإنسان بطبيعته الفطرية غضوب لا يملك نفسه، ولا يستطيع أن يحبسها عن الشهوات إلا من رحم الله تعالى.
فعن انس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “لما صور الله آدم في الجنة تركه، ما شاء الله أن يتركه، فجعل إبليس يطيف به ينظر ما هو، فلما رآه أجوف عرف أنه خلق لا يتمالك” (رواه مسلم).
قال تعالى: “ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين”، وقال سبحانه: “ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيراً”، أما حبيبنا صلى الله عليه وسلم، فكان لا يغضب إلا في الحق وللحق، لا يغضب للدنيا، ولا لنفسه، لا يغضب إلا إذا انتهكت حرمة من حرمات الله عز وجل.
وفي الحديث الذي رواه مسلم - أنه صلى الله عليه وسلم كان يغضب حتى تحمر وجنتاه، فيقول: “اللهم أنا بشر، أغضب كما يغضب البشر، فأيما مسلم سببته أو لعنته أو ضربته فاجعلها مني صلاة عليه، وزكاة وقربة تقربه إليك يوم القيامة”. (رواه مسلم)
في يوم من الأيام يسأله عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما - ويقول له: (يا رسول الله، أأكتب عنك كل ما تقول، في الغضب والرضا؟ فقال: اكتب فوالذي بعثني بالحق لا يخرج منه إلا حق - وأشار إلى لسانه - (رواه مسلم).
هكذا أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يعلم الأمة كيف تكظم غيظها وتعفو عن الناس، وأن الغضب غير مطلوب إلا إذا انتهكت حرمة من حرمات الله تعالى، وله شروط وصفات وضوابط بيَّنها النبي صلى الله