[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] الحكمة في تشريع الحج وأحكامه وفوائده[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين والصلاة والسلام على عبده ورسوله وأمينه على وحيه وخليله وصفوته من عباده نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبد الله وعلى آله وأصحابه ومن سلك سبيله واهتدى بهداه إلى يوم الدين أما بعد:فإني أشكر الله عز وجل على ما منّ به من هذا اللقاء في خير بقعة بإخواني في الله للتواصي والتناصح بالحق والتعاون على البر والتقوى والتذكير بالله وبحقه والتذكير بهذه الشعيرة العظيمة شعيرة الحج وما فيها من الخير العظيم والمنافع الكبيرة والعواقب الحميدة للمسلمين في كل مكان. فأسأله جل وعلا أن يجعله لقاءً مباركًا وأن يصلح قلوبنا وأعمالنا جميعًا وأن يمنحنا الفقه في دينه والثبات عليه وأن يتقبل منا ومن سائر إخواننا حجاج بيت الله الحرام وغيرهم من المسلمين أسأل الله أن يتقبل منا جميع أعمالنا التي نتقرب بها إليه سبحانه وتعالى.
ثم أشكر أخي معالي الشيخ راشد الراجح مدير جامعة أم القرى ورئيس هذا النادي على هذه الدعوة لهذا اللقاء وأسأل الله جل وعلا أن يبارك في جهوده وأن يعينه على كل خير وأن يجعلنا وإياكم وإياه من الهداة المهتدين إنه خير مسؤول.
أيها الأخوة: شعيرة الحج أمرها عظيم وفوائدها كثيرة وحكمتها متنوعة ومن تأمل كتاب الله وتأمل السنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام في هذا الموضوع عرف عن ذلك الشيء الكثير ولقد شرع الله سبحانه هذه الشعيرة لعباده لما في ذلك من المصالح العظيمة والتعارف والتعاون على الخير والتواصي بالحق والتفقه في الدين وإعلاء كلمة الله وتوحيده والإخلاص له إلى غير ذلك من المصالح العظيمة والفوائد التي لا تحصى ومن رحمته سبحانه أن جعل الحج فرضًا على جميع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها فالحج فريضة عامة على جميع المسلمين: رجالًا ونساءً عربًا وعجمًا حكامًا ومحكومين مع الاستطاعة كما قال عز وجل:
{وَلِلَّـهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ۚ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّـهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران:97]، فالآية الكريمة واضحة في أن هذا الحج واجب على جميع الناس مع الاستطاعة. والحج مرة في العمر كما قال النبي صلى الله عليه وسلم عندما سُئل: أفي كل عام يا رسول الله؟، قال:
«لو قلتها لوجبت الحج مرة فمن زاد فهو تطوع» (رواه أحمد) [1]. وهذا من تيسير الله أيضًا ومن نعمته العظيمة أن جعلها مرة في العمر؛ لأنه لو كان أكثر من ذلك لكانت المشقة عظيمة بسبب التكلفة الكبيرة بالنسبة للبعيدين عن هذه البقعة المباركة ولكن الله بلطفه ورحمته جعل الحج مرة في العمر ومن زاد فهو تطوع وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:
«العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة» (متفق على صحته) [2] وفي الصحيحين أيضًا عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:
«من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه» (رواه البخاري ومسلم) [3]. وقال أيضًا عليه الصلاة والسلام:
«تابعوا بين الحج والعمرة، فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة، والحج المبرور ليس له ثواب إلا الجنة» (رواه أحمد) [4]، فالحج له شأن عظيم وفوائد كثيرة، ومن فوائده العظيمة أنه إذا كان مبرورًا فجزاؤه الجنة والسعادة وغفران الذنوب، وهذه فائدة كبيرة وكسب لا يقاس بغيره.
والله جل وعلا جعل هذا البيت مثابة للناس وأمنًا، كما قال جل وعلا:
{وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ} [البقرة:125]، يثوبون إليه من كل مكان مرة بعد مرة، ولا يشبعون من المجيء إليه؛ لأن في المجيء إليه خيرًا عظيمًا وفوائد جمة، وهو مؤسس على توحيد الله والإخلاص له، قال تعالى:
{وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [الحج:26]، فالله هيأ هذا البيت لخليله إبراهيم عليه الصلاة والسلام ليقيمه على توحيد الله، والإخلاص له، وعدم الإشراك به، وقد سئل عليه الصلاة والسلام عن أول بيت وضع للناس، قال صلى الله عليه وسلم:
«هو المسجد الحرام» (رواه البخاري) [5]. والله يقول في كتابه العظيم:
{إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ} [آل عمران:96]، فهو أول بيت وضع للعبادة العامة، وقد بين سبحانه وتعالى أنه أُسّس على توحيد الله والإخلاص له.
فمن الواجب على كل مسلم قصد هذا البيت أن يخلص العبادة لله وحده، وأن يجتهد في أن تكون أعماله كلها لله وحده: في صلاته ودعائه، في طوافه وسعيه، وفي جميع عباداته؛ ولهذا قال الله تعالى:
{وَطَهِّرْ بَيْتِيَ} [الحج:26]، أي طهّر مكان البيت من الشرك.
"للطائفين": وقد بدأ بالطواف؛ لأن الطواف لا يفعل إلا في هذا البيت العتيق، ما من عبادة في الدنيا فيها طواف إلا حول البيت العتيق، أما الطواف بالقبور والأشجار والأحجار فهو من الشرك الأكبر، كالصلاة لها والسجود لها. وإن طاف بها تقربًا لله فهو بدعة، ليس هناك طواف يتقرب به لله إلا بالبيت العتيق، وتطهيره يكون بتنزيهه من الشرك بالله والبدع المضلة، وألا يكون حوله إلا توحيد الله والإخلاص له وما شرع من العبادة. فالواجب على حماة هذا البيت والقائمين عليه، أن يطهروا هذا البيت من الشرك والبدع والمعاصي، حتى يكون كما شرع الله بيتًا مقدسًا مطهرًا من كل ما حرمه الله. وفي البيت العتيق آيات بينات: مقام إبراهيم، وأرض الحرم كلها مقامات لإبراهيم، فالصفا والمروة والبيت العتيق ومنى ومزدلفة وعرفات، كلها مقامات تذكر بهذا النبي العظيم، والرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وما بذله من الجهود والأعمال الجليلة في سبيل توحيد الله والإخلاص له، ودعوة قومه إلى توحيد الله واتباع شريعته. ويقول سبحانه في شعيرة الحج العظيمة:
{الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ} [البقرة:197]، وهي شوال وذو القعدة والعشر الأول من ذي الحجة، أي شهران وبعض الشهر، ثم يقول تعالى:
{فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة:197].
هذه من المنافع العظيمة والفوائد الكبيرة، أن الوافد لهذا البيت العتيق وفد لإخلاص العبادة لله وحده دون الشرك به سبحانه وتعالى، مع التطهر والحذر من كل ما يخالف شرع الله سبحانه، حتى تكون العبادة كاملة لله عز وجل، ليس فيها نقص بوجه من الوجوه، وبذلك يخرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه، إذا حج فلم يرفث ولم يفسق.
والرفث هو: الجماع وما يدعو إليه من ملامسات ونظرات وكلمات وغيرها، كما وضح ذلك العلماء رحمهم الله. والفسوق: المعاصي كلها، المحرمة في الحج، والمحرمة مطلقًا، ومن المحرم في الحج: قص الأظافر بعد الإحرام، وقص الشعر، والتطيب، ولبس المخيط، وتغطية الرأس للرجل، ولبس القفازين للرجل والمرأة، والنقاب للمرأة، إلى غير هذا مما حرم الله على المحرم. وهناك محرمات عامة، كالزنا والسرقة والظلم في النفس والمال والعرض وأكل الربا إلى غير ذلك مما هو محرم على الجميع في الحج وغيره.
"ولا جدال": وعلى المؤمن أن يكون بعيدًا عن الجدال والمراء الذي يثير العداوات والشحناء. فالحج وسيلة للمحبة والتعاون والصفاء، ومن حكمه العظيمة ترك ما يسبب البغضاء والشحناء من رفث أو فسوق أو جدال، فهو وسيلة عظيمة إلى صفاء القلوب واجتماع الكلمة والتعاون على البر والتقوى، والتعارف بين عباد الله في سائر أرض الله. ولقد كان عند العرب جدال في جاهليتها فنهى الله عن ذلك، فلا جدال في الحج، لا من جهة ما كانت عليه في الجاهلية ولا من جهة ما يسبب البغضاء والشحناء، كل ذلك لا يجوز، فإذا صدر منك لأخيك غيبة فتب إلى الله منها واستسمحه من ذلك حتى تكون الكلمات في الحج كلها تدعو إلى الخير والبر والتقوى والتعاون على الخير والصفاء، والبعد عن كل ما يسبب الفرقة والاختلاف. أما الجدال بالتي هي أحسن فهذا مطلوب دائمًا في كل وقت، قال تعالى:
{ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل:125]، هذا مطلوب في حق المحرم وغيره، قال تعالى:
{وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [العنكبوت:46]. فلا حرج في الجدال بالتي هي أحسن لإزالة الشبه وإيضاح الحق بأدلته مع البعد عن أسباب الشحناء والعداوة.
ثم قال جل وعلا:
{وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّـهُ} [البقرة:197]، وفي هذا حث وتحريض على أنواع الخير، فعلى الحاج أن يحرص على فعل الخير بكل وسيلة، والله سبحانه يعلمه ويجازيك عليه، والخير يشمل القول والعمل؛ فالكلمة الطيبة والنصيحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كله خير، والصدقة والمواساة وإرشاد الضال وتعليم الجاهل كله خير، فجميع ما ينفع الحاج أو ينفع المسلم من قول أو عمل مما شرعه الله وما أباحه جل وعلا كله خير. ثم قال سبحانه وتعالى:
{وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ} [البقرة:197]، فالله جل وعلا أمر الحاج بالتزود بالنفقة وبكل ما ينفعه في الحج، من العلم النافع والكتب المفيدة وكل ما ينفع نفسه أو غيره، وكلمة "وتزودوا" كلمة مطلقة تشمل أنواع التزود من أمور الدنيا والدين. قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: كان أناس يحجون من غير زاد ويقولون: نحن المتوكلون، فأنزل الله تعالى:
{وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ} [البقرة:197]، والآية عامة تعم جميع الناس، فعلى جميع الناس في كل أصقاع الدنيا أن يتزودوا من العلم ومن المال ومن كل ما ينفعهم في حجهم، حتى لا يحتاجوا للناس. والله تعالى يقول:
{فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ} [البقرة:197]، أي: خير الزاد للمؤمن ولإخوانه التقوى، أن يتقي الله بطاعته والإخلاص له، وفي نفع إخوانه الحجاج، وتوجيههم إلى الخير، وأمرهم بالمعروف، ونهيهم عن المنكر، ومواساة المحتاج منهم بالطريقة الحسنة وبالأسلوب المناسب. ثم كرر سبحانه فقال:
{وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ} [البقرة:197]، أمر بعد أمر أكد فيه سبحانه وتعالى التقوى لما فيها من الخير العظيم، كما قال سبحانه:
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّـهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:13]،
وسُئل النبي عليه الصلاة والسلام: أي الناس أكرم؟، قال: «أتقاهم» (رواه البخاري ومسلم) [6]. فأتقى الناس لله هو أكرمهم عنده وأفضلهم عنده، من عرب وعجم، وأحرار وعبيد، ورجال ونساء، وجن وإنس، وعلى رأسهم الرسل عليهم الصلاة والسلام والأنبياء، ثم بعدهم الأفضل فالأفضل.
وقد قال تعالى:
{يَا أُولِي الْأَلْبَابِ} [البقرة:197]؛ لأن أولي الألباب -وهي العقول الصحيحة- هم الذين يعقلون عن الله، وهم الذين يفهمون مراده، وهم الذين يقدرون النصائح والأوامر، بخلاف فاقدي العقول فلا قيمة لهم، ومن أعرض عن الله وغفل عنه فليس من أولي الألباب، وإنما أولو الألباب المقبلون على الله، الراغبون في طاعته، الراغبون فيما ينفع الناس، الناس كلهم مأمورون بالتقوى، لكن أولي الألباب لهم ميزة؛ لما أعطاهم الله من العقل والبصيرة، كما قال جل وعلا في آية أخرى:
{وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [إبراهيم:52]، فكلنا مأمورون بالتذكر والتقوى لكن أولي الألباب لهم شأن ولهم ميزة في فهم أوامر الله وتنفيذها، وهكذا قوله تعالى:
{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ} [آل عمران:190]، فيه آيات للجميع لكل أحد، لكن لا يفهمها ولا يعقلها ولا يقدرها إلا أولو الألباب.
يتبــــــــــــــــــــــــع[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]